وكالة الأنباء العراقية
نرمين المفتي
اصبح كتاب ومفكرون سياسيون امريكان يقرون بسقوط حضارة الغرب عامة وأمريكا خاصة، بعد أن راقبوا عن كثب التصرفات الاخلاقية والتي اصبحت محمية بسلطة القانون لتغير القيم المجتمعية التي بدأت تتدهور، بالرغم من التطورات العلمية الباهرة ومن بينها وصولهم إلى حافة الكون.
منذ ان اصدر بول كينيدي في 1987 كتابه (صعود وسقوط القوى العظمى)، صدرت عشرات الكتب لهؤلاء الكتاب والمفكرين، واستطيع القول إن كتب نعوم تشومسكي قد تكون الاهم، ليس فقط بمحتواها، انما لانها تبحث في المشاكل والنتائج الكارثية لسياسة الغرب عامة والولايات المتحدة الأمريكية خاصة، بينما غالبية الكتب الأخرى، تشير إلى السقوط المحتوم ولكن دائما هناك اتهامات بين الأسطر وخلفها تتوجه إلى منطقتنا، ومن بينها كتاب باتريك بوكانان والذي يعبر عن هذه الاتهامات بدءا من عنوانه
(The Death of the West.. How dying population and immigrant imperil our country and civilisation)
والصادر في 2001 وترجمة العنوان هي (موت الغرب، كيف يهدد الموت والهجرة بلدنا وحضارتنا).
بوكانان ليس كاتبا ومفكرا سياسيا فقط، انما كان مؤسسا لبرامج سياسية شهيرة على شاشة شبكات أخبآر كبيرة وعمل مستشارا لثلاثة رؤساء امريكين وهم ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد ورونالد ريغان، وكتابه هذا واحد من بين كتب عدة يناقش من خلالها انهيار الغرب ومن بينها (انتحار قوة عظمى، هل ستحيا أمريكا لغاية 2025).
وقبل الإشارة إلى اهم ما جاء في كتابه عن موت الغرب، يبدو ان سؤاله عن أمريكا في 2025، اصبح واقعيا بعد ان كشفت حرب الابادة ضد غزة ان الجيل الأمريكي الشاب بات لا يؤمن بسياسة البيت الابيض، فضلا عن ادانة المحكمة لترامب في التهم التي كانت موجهة اليه وهو المرشح الاكثر حظا في الفوز في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في شهر تشرين الثاني المقبل وربما ستطور المواجهات بين أنصاره وانصار الرئيس الحالي بايدن من إعلامية وكلامية إلى غيرها، وهناك الرفض الأوروبي الخجول وقد يتطور للموافقة التي منحها بايدن للرئيس الاوكراني زيلينسكي بقصف العمق الروسي.
وقطعا ستستمر الولايات المتحدة الأمريكية كدولة وربما قوة عظمى، ولكن سياستها الخارجية قد لن تستمر وسيؤثر هذا التغيير على سياستها الداخلية وقد تكشف السنوات القادمة على انتباه العرقيات المختلفة إلى نفسها كهويات تبحث عن نفسها، وللمثال وليس الحصر هناك تجمعات في ولايات بعينها للأمريكان من اصل لاتيني.
وقد تكون هذه الجملة مدخلا للإشارة إلى الكتاب الذي أنا بصدده والذي يتنبأ به بوكانان بموت الغرب ويقول إن الغرب يواجه موتين وهما “ موت اخلاقي بسبب السقوط الأخلاقي، الذي قضى على كل القيم التربوية والأسرية والأخلاقية التقليدية، وموت ديموغرافي بيولوجي والذي يؤدي إلى تناقص السكان بالموت الطبيعي”.
ويناقش طويلا الموت الاخلاقي والذي يتسبب بولادات غير شرعية واجيال من الأمريكان لا تعرف احد الأبوين وتدفعهم ظروفهم إلى العنف والمخدرات، ويشير إلى العلاقات الجنسية المثلية والتي تتسبب ليس بالأمراض فقط انما بنقص السكان لعدم وجود ولادات من هكذا علاقات.
ويناقش قانون السماح بالإجهاض ويشير إلى ابتعاد الشباب عن الزواج مما يتسبب في السنوات القليلة القادمة ان تكون نسبة الذين يبلغون الستين وما فوق من العمر هي الاغلبية، بمعنى ان القوى العاملة تتقلص سنة بعد اخرى ويضاف إلى ما سبق الموت الطبيعي.
ويشير إلى انه في الوقت الذي تتقلص فيه نفوس الغرب، امريكا واوربا ودول اخرى يذكرها، تزداد نفوس المنطقة العربية والصين والهند ودول آسيوية وافريقية اخرى، فضلا ان نسبة الشباب في هذه الدول التي غالبيتها تمنع الإجهاض، هي الغالبة.
ويؤكد المؤلف بالأرقام ارتفاع عدد المراهقين الذين ينتحرون في أمريكا وعدد المدمنين على المخدرات والذي يتسبب بنقصان القوى العاملة.
ويقارن بوكانان بالأرقام النقص في نفوس دول الغرب والدول الصناعية، مما يضطرها لقبول اللاجئين، الشباب منهم خاصة والذين يهددون الغرب وحضارته.
ويعود ويناقش الوضع الاجتماعي في أمريكا ومدى السقوط الاخلاقي الذي سيتسبب بموتها ويقول “ان بلدا مثل هذا لا يمكن أن يكون حرا، فلا وجود للحرية دون فضيلة ولا وجود للفضيلة بغياب الإيمان”.