وكالة الأنباء العراقية
عبد الأمير المجر
ها أنت في السوق، لقد ذهبت لتشتري ما تريد من خضار أو لحوم أو فاكهة أو غيرها، ستقف عند المحل أو البسطة، التي تنوي الشراء منها وبعد أن تنتهي من الشراء، وسيفاجئك طفل أو صبي في عمر الزهور، كان يقف بالقرب منك ينتظر، وسيقول لك؛ (عمو..علاكة)!
اي هل تريد ان تشتري (علاكة)، وستنتبه لحزمة الأكياس التي يحملها وقد هيأها للبيع بعد أن فرقها لتكون جاهزة ليسلمّها للمشتري، أكياسا كبيرة نسبيا، أي أكبر بكثير من الكيس التقليدي، الذي يسع لكيلو أو كيلوين، ليستوعب أكبر عدد من الأكياس الصغيرة، ليسهل عليك جمعها وحملها أو هكذا يريد أن يقول لك هذا البائع الصغير، الذي وجد نفسه في السوق، يمضي نهاره أو جل نهاره بين الناس يطلب منهم شراء حاجته هذه، والتي لم يجلب منها لأهله الذين ارسلوه للسوق، سوى بضعة آلاف من الدنانير في أحسن الأحوال، تجعلك تتساءل، هل فعلا أن أهله بحاجة ماسة اليها؟ وهل ستحل أزمة العائلة، التي من أجلها ضاع هذا الصغير في دروب السوق، وتعلّم لغته وفهلوته؟ وهل هذا الصغير في المدرسة أم تسرب منها ليجد نفسه وسط السوق يجمع الدنانير القليلة، ليعود بها إلى عائلة يشك كثيرون انها بحاجة ماسة اليها؟..
كثيرون يرون أن اغلب ارباب هذه العوائل بحاجة ماسة إلى وعي حقيقي يجعلهم يدركون خطورة ارسال اطفالهم إلى السوق وتركهم هناك ليعودوا آخر النهار منهكين جسديا ونفسيا، لانهم يتلقون الكلمات الخادشة والعبارات المعنّفة من البعض، وقد خسروا يوما كان يجب ان يتعلموا به شيئا مفيدا في المدرسة مثل أقرانهم، ويعرفوا أيضا أصول التعامل مع الآخرين، من خلال المناهج الدراسية وليس من السوق ولغته… إن هؤلاء الصغار ضحايا صغار لضحايا كبار هم الأهل، ويستشهدون بأمثلة صحيحة عن أسر فقدت معيلها للأسباب الكثيرة المعروفة، لكن في الحقيقة أن أغلب تلك الأسر يفتقر أربابها إلى الوعي أو ممن يتملكهم الجشع ولايترددون في إرسال اطفالهم إلى السوق للعمل كباعة أكياس أو (علاليك) أو غيرها من الأعمال التي لا تناسب أعمار أطفالهم، ليعودوا إليهم بالمال غير آبهين بمستقبلهم، وهؤلاء أولياء الامور يتحملون المسؤولية الأخلاقية وحتى القانونية جراء فعلهم هذا، وان الدولة معنية بمتابعة هذه الظاهرة التي استشرت مؤخرا بطريقة مفزعة، بغية إيجاد الحلول الموضوعية لها..
لقد كان لدينا نظام تعليمي يلزم الآباء أو أولياء الأمور بإرسال أبنائهم ممن يبلغون سن الدراسة إلى المدارس، ويتعلمون مجانا، وحين تصدع هذا النظام في سني الحصار الإجرامي، وجدنا أعدادا كبيرة من الأطفال يتسربون تحت تلك الظروف، لنحصد في ما بعد أفواجا من المجرمين بعد أن كبر هؤلاء وتربوا على أخلاق شارع تصدع هو الآخر وصار كله سوق، تحكمه الفوضى ويسوده منطق التغالب تحت قسوة الظروف المعروفة وقتذاك، لكن اليوم وبعد أن تغيرت الظروف لماذا نرمي بأطفالنا إلى الشارع ليواجهوا ضياع الحاضر والمستقبل، لذا نرى أن على الدولة إيقاف هذه المهزلة المدمرة!.