وكالة الأنباء العراقية
سيف ضياء
تعد الجامعات حاضنات للعلم و الفكر والمعرفة، ومنارات تنير دروبَ الأجيال نحو مستقبل واعد، وفي رحابها يُزهر “الوعي السياسي” كزهرة ندية تثري عقول الطلبة، وتنمي مهاراتهم في تحليل الأحداث وفهم القضايا المعقدة، إذ إن الوعي السياسي هو جوهر ومسار، كونه يمثل حرصَ الفرد على تتبع ما يدور حوله من أحداث سياسية، اجتماعية واقتصادية، وفهمه لمجرياتِ الأمورِ وتحليلِها بِدقة ونظرة ثاقبة، إذ تعد ثقافة الفرز والنقد بوصلة الوعي؛ حيث إن تلقي المعلوماتِ وحسب غير كافٍ لبلوغ ذروةِ الوعي السياسي، بل يتطلب الأمر مهارات نقدية وفكرية لفرز تلك المعلومات وتمييز الصحيح من الخطأ، إذ يتجلى بوضوح جلي اليوم دور الشبابِ الفاعل في إحداث التغيير الإيجابي داخل المجتمعات، إذ برز على الساحة العالمية شباب في مقتبل العمر، لا تتجاوز أعمارهم العقدين، يتصدون بجرأة وشموخ لسياساتِ حكوماتِهم التي تخالف مبادئهم وقيمَهم الراسخة، وخير دليل على ذلك، ما شاهدناه خلال التظاهرات المنددة بالجرائم، التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة، داخل جامعة كولومبيا، إذ ألقى رئيس مجلس النواب الأمريكي خطابًا تضمن عبارة مفادها “أن الله قد بارك من يؤيد إسرائيل، بينما لعن من
يعارضها”.
قوبلت هذه العبارة بسخرية واستهجان من الطلاب، الذين لم يُصدقوا أن الله قد يصدر هكذا حكما مطلقا.
فهم الطلاب…. للقيم الإنسانية، مثل الحرية، العدالة المساواة، وحقوق الإنسان؛ ومنع جرائم الحرب.
إن هذه المبادئ قد دفعهم للتشكيك في صحة هذا الادعاء، ورفضه بشكل قاطع، وازدياد التصعد للضغط اكثر حتى وصل الموضوع للتعبير عن ارائهم في حفلات التخرج والانسحاب من الحفل ورفع الاعلام الفلسطنية، إذ لطالما مثلت الجامعات والأكاديميات منارات ثقافية وفِكرية، وركائز أساسية في بناء المجتمعات وتطويرها، فعلى عاتقها تقع مسؤولية تنشئة جيل واع مثقف، يشكل لبنة أساسية في بناء مجتمعات مستنيرة، حاملة لشعلة الوعي، مدرك لحقوقه وواجباته، قادر على المساهمة بفعالية في بناء ديمقراطية حقيقية تسهم في تقدمِ الأوطان وازدهارها.
ولكن للأسف، واجهت جامعاتنا خلال العقود الأربعة الماضية، تحديات جسيمة أثرت سلبا في دورها في تعزيز الوعي السياسي لدى الأفراد، فمن سياسات النظام السابق الخاطئة والتي تمثلة في تجيرها لصالحه في أوقات السلم والحرب، مروراً باحتلال غاشم وعولمة فرض ثقافات مسمومة على طلابها، واجهت جامعاتنا حملة ممنهجة لطمسِ هويتها وتغييب دورها التنويري.
لذلك، بات من الضرورى الملح تصحيح المسارِ وإعادة الاعتبارِ للجامعاتِ كمنارات للوعي والمعرفة، إذ نحتاج إلى نهضة شاملة تعيد للجامعاتِ بوصلتها، وتسهم في بناءِ جيل مثقف واع قادر على المشاركةِ بفعالية في الحياةِ العامة وبناءِ مستقبل أفضل لوطنه.